يوم 9 أكتوبر 1967 مات تشي غيفارا إذ اغتاله الجيش البوليفي ومستشارو وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA …
وسيكون أكتوبر 1997، الذكرى الثلاثين لاغتياله، مناسبة، في فرنسا وفي غيرها من بقاع العالم، لظهور سير عديدة لحياته وكتب وأفلام وحتى أقراص مدمجة.
هل عاد تشي ليصبح موضة جديدة ؟ منذ بضع سنوات عادت صوره للظهور في كل مكان، في الملصقات وفي الحيطان وفي الأقمصة وحتى في جييبات الأقراص المدمجة لمجموعات الغناء الشعبية (Rage against the machine أو Renaud )
يحظى تشي حاليا، بعد ثلاثين سنة من وفاته، بشعبية عالمية لدى العديد من الشباب. ونجد صورته على صدر شباب كل القارات ( أمريكا اللاتينية وأفريقيا وأوربا والولايات المتحدة الأمريكية …)
لا شك ان بقاء صورة جيدة عن تشي لدى الشباب لا يعود إلى سحر عينيه و قبعته، بل إلى كونه رمزا للتمرد ضد ظلم واضطهاد العالم الذي نعيش فيه.
يمثل تشي عن حق صورة ثوري كبير لا تشوبه شبهة أي مسؤولية عن تلك الكارثة التي شكلتها الستالينية. ربما كانت صورة روبن دو بوا Robin des Bois أحمر هي الجانب الذي يعجب الشباب. على كل حال هذه هي الكيفية التي تعيد بها ذكراه وأفكاره الاعتبار للسياسة في وقت يجردها منه الساسة المحترفون والفاسدون.
منذ تأسيس منظمتنا عام 1966 ونحن نتبنى، إلى جانب أمور أخرى، تشي غيفارا. إنه رمز دورة من التجارب الثورية ألهبت في سنوات 60 و70 بلدان عديدة بأمريكا اللاتينية.
حياة في خدمة الثورة
ولد إرنستو يوم 14 يوليوز 1928 في بيونس ايريس بالأرجنتين. ومراعاة لصحة ابنها المصاب بالربو استقرت أسرته في ألتا غراسيا في السيرا دو كوردوبا. وفيها أسس والده لجنة مساندة للجمهورية الإسبانية عام1937, وفي 1944 استقرت الأسرة في بيونس ايريس.
ومن 1945 إلى 1953 أتم إرنيستو بنجاح دراساته الطبية. و بسرعة جعلته صلته بأكثر الناس فقرا وحرمانا وبالمرضى مثل المصابين بالجذام، وكذا سفره المديد الأول عبر أمريكا اللاتينية، واعيا بالتفاوت الاجتماعي وبالظلم.
الأسفار تكون الشباب … والوعي!
حصل تشي بالكاد على شهادته لما غادر من جديد الأرجنتين نحو رحلة جديدة عبر أمريكا اللاتينية. وقد كان عام 1951، خلال رحلته الأولى، قد لاحظ بؤس الفلاحين الهنود. كما تبين استغلال العمال في مناجم النحاس بشيلي والتي تملكها شركات أمريكية. وفي عام 1953 في بوليفيا والبيرو، مرورا بباناما وبلدان أخرى، ناقش مع منفيين سياسيين يساريين من كل مكان تقريبا، ولاسيما مع كاسترويين كوبيين. تسيس، وفي تلك اللحظة قرر فعلا الالتحاق بصفوف الثوريين. واعتبر نفسه آنذاك شيوعيا.
وفي العام 1954 توقف في غواتيمالا التي كانت تشهد غليانا ديمقراطيا في ظل حكومة جاكوب أربنز. وشارك تشي في مقاومة الانقلاب العسكري الذي دبرته المخابرات الأمريكية والذي انهى الإصلاحات الزراعية التي قام بها أربنز، وستطبع هذه التجربة فكره السياسي.
التحق آنذاك بالمكسيك. وهناك تعرف في يوليوز 1955 على فيديل كاسترو الذي لجأ إلى ميكسيكو بعد الهجوم الفاشل على ثكنة مونكادا في سانتياغو دو كوبا. وجنده كاسترو طبيبا في البعثة التي ستحرر كوبا من ديكتاتورية باتيستا. وهناك سمي بتشي وهو تعبيير تعجب يستعمله الارجنتينيون عمليا في نهاية كل جملة.
وفي يوينو 1956 سجن تشي في مكسيك مع فيدل كاسترو ومجموعة متمردين كوبيين. واطلق سراحهم بعد شهرين.
1956-1965 الثورة الكوبية
بدءا من 1965 ارتمى تشي مع رفاقه في التحرير الوطني لكوبا.
المقاتل …
يوم 2 ديسمبر 1956 غادر 82 رجلا السواحل المكسيكية على ظهر الباخرة جرانما وحطوا الرحال بشكل كارثي على سواحل كوبا شرق الجزيرة وتعرضوا في الحين لمضايقات قوات باتيستا. وبسرعة لم يبق منهم غير 22 رجلا ونجحت المجموعة في إعادة تنظيم نفسها في السيرا مايسترا وأحرزت نجاحاتها الأولى. وتعزز جيش المتمردين بعد بضع سنوات من المعارك بين عشرات من مقاتلي الغوار (حرب العصابات) و000 40 جندي يشكلون جيش باتيستا.
وفي غشت 1958 تسلم تشي قيادة كتيبة من 148 مقاتل وانتقل إلى مركز الجزيرة بهدف عزل مدينة سانتا كلارا.
استولت قوات الكوماندانتي تشي غيفارا على المدينة يوم 30 ديسمبر 1958. آنذاك جاء الهجوم الكبير بتقدم كتائب مقاتلي حرب الغوار نحو العاصمة هافانا. وانهارت الديكتاتورية وفر باتيستا من هافانا المشلولة بالإضراب العام: ودخلت قوات تشي و كاميلو سيانفويغوس العاصمة يوم 2 يناير 1959. انه انتصار الثورة الكوبية.
…وقائد الثورة الكوبية
قام تشي بدور متقدم في الحكومة الثورية. وضعت الحكومة إصلاحا زراعيا ونظمت نزع ملكية المنشآت الأمريكية ومصادرة المساكن وتوزيعها. وخصصت الثروات لتلبية الحاجات الاجتماعية. ووضعت برنامج صحة وتعليم لاسيما في مجال محو الأمية.
في نوفمبر 1959 كان تشي اولا رئيسا للبنك الوطني فأصاب الذهول عالم المالية الدولية (الأوراق النقدية الكوبية موقعة باسم تشي ) وأصبح في فبراير 1961 وزيرا للصناعة. فدفع تشي في اتجاه تصنيع عام لكوبا لكن واقع البلد ما كان يتيح التقدم بالسرعة التي أراد. وكانت مواقفه بصدد التصنيع، وبشكل أعم حول ضرورة تنظيم اجتماعي واقتصادي جديد، معروضة في مقالاته خلال السجالات العمومية التي تعارض فيها مع وجهات نظر أخرى قريبة من موسكو. يتعلق الأمر أساسا بخيار سياسي يهم تصنيع الاقتصاد. وعارض غيفارا بوجه خاص عملية دمج الاقتصاد الكوبي في إطار « القسمة الاشتراكية للعمل » المملاة من الاتحاد السوفيتي. وقام تشي بأسفار عديدة ناطقا باسم بلدان العالم الثالث في منظمة الأمم المتحدة ، وشارك في مؤتمر القارة الأمريكية في بونتا ديل ايستي وفي المؤتمر العالمي للتجارة في جنيف. وزار جزائر بن بلة مرارا عديدة وقاد الوفد الكوبي إلى احتفالات الذكرى 47 لثورة أكتوبر. وفي الجزائر مرة أخرى ألقى خطابا أساسيا انتقد فيه صراحة سياسة الاتحاد السوفيتي.
لكن ربما لم يرضيه هذا الدور إرضاء تاما.
فبدعوته إلى تضامن كافة المضطهدين في العالم كان ينوي المشاركة بنشاط في امتداد الثورة. وغادر كوبا في مارس 1965 متخليا عن كافة مسؤولياته الرسمية.
1965-1967 حياة في خدمة توسع الثورة
في 1965 و1966 سعى تشي إلى المشاركة في تطور تجارب حرب غوار في افريقيا السوداء، في الكونغو البلجيكي(زايير). ومر بسان دومينغ ليلتحق فيما بعد ببوليفيا في نوفمبر 1966. وظهرت نوات مقاتلي حرب غوار في منطقة ناشواسو.
قام تشي بإسقاط النموذج الكوبي على نطاق الكوكب: ستصبح سلسلة جبال الأنديز بمثابة سيرا مايسترا أمريكا اللاتينية. وسرعان ما تعرضت تلك النواة لمطاردة من قوات مسلحة عديدة وتم عزلها بسرعة. وبقيت المجموعة في ظروف صعبة بعد امتناع الحزب الشيوعي البوليفي عن مساندتها. وخلال مواجهة يوم 8 أكتوبر 1967 جرح تشي واعتقل مع اغلب رفاقه. وفي اليوم الموالي تم إعدامه بضغط من المخابرات الأمريكية .
ومن موته ولدت أسطورة من وضع حياته في خدمة وبين يدي الثورة لأجل القضاء على كل أشكال الظلم.
واصبح وجهه رمزا للتمرد في كل مكان بالعالم. وُتستوحى من تشي صورة مقاتل حرب الغوار ذي اللحية والقبعة أكثر مما ُتستوحى أفكاره وكتاباته. ومع ذلك لم يستعمل تشي يديه لحمل السلاح فقط بل أيضا لنقل أفكار